تعرف نظرة الدهشة التي قد تبدو على وجه طفل صغير عند انبهاره بضخامة الهرم عند رؤيته للمرة الأولى، هذا ما كان يصيبنى يومياً وأنا أتعمق فى عالم البلوكتشين Blockchain وبشكل خاص تمويل وتسويق المشروعات المعتمدة عليه، وذلك عندما طلب منى صديقي المصري المقيم بأمريكا فى أواخر سنة  2017 مساعدته فى إعداد خطة التسويق لمشروعه القائم على تكنولوجيا البلوكتشين.

فالبلوكتشين بداية ثورة حيث قدم حلول جديدة وعبقرية فى العديد من المجالات، منها معمارية تطبيقات مواقع الانترنت والموبايل واقتصاديات وتمويل وتسويق المشروعات.

ومع أن تلك التكنولوجيا هى التكنولوجيا التي تعمل عليها العملات الرقمية وأشهرها البيتكوين، إلا أن تكنولوجيا الـBlockchain  يمكن استخدامها فى العديد والعديد من المجالات، وقد تم استخدامها بالفعل فى مجالات مثل التجارة الالكترونية، العقارات، الذكاء الصناعى، التعليم، الصحة، الخدمات، العقود القانونية، الألعاب الإلكترونية، شبكات التواصل الاجتماعى، المحتوى الرقمي وغير ذلك.

ومن أشهر المشاريع فى مجال شبكات التواصل الاجتماعي موقع Steemit  المعتمد على Steem Blockchain الذى يكافئ المستخدم عن المحتوى الذى يضعه على حسب الإعجابات   Upvoteالتي يحصل عليها، فقد دفع الموقع حتى الآن تقريباً 40 مليون دولار لمستخدميه، فعدد زوارالموقع حالياً تقريباً 30 مليون زائر شهرياً، وفى هذا المقال سيتضح من أين تاتى تلك الأموال؟ وكيف يعمل نموذج العمل هذا؟

التمويل عن طريق طرح العملة الرقمية الأولى

أكبر تحدي يواجه أصحاب الأفكار والشركات الناشئة هو إيجاد تمويل لفكرتهم أو مشروعهم الناشئ، وبرغم وجود شركات رأس المال المغامر والمستثمرين والجهات الداعمة، إلا أن أصحاب المشاريع الناشئة يناضلون من أجل الحصول على التمويل.

وظهر فى عام 2014 حل عبقري لتمويل وتسويق المشاريع الناشئة وهو طرح العملة الرقمية الأولى.

في أول 3 شهور من 2018 فاق حجم الأموال التي تم جمعها لتمويل المشروعات كل مع ما تم جمعه في 2017، فكان حجم تمويل المشروعات عن طريق عروض العملات الأولية 11.8 مليار دولار هذا العام حتى شهر مايو، أي أكثر من ضعف العروض التي جمعت في عام 2017 والذى يقدر بـ  5.5 مليار دولار، وفقاً لتحليل وول ستريت جورنال لما يقرب من 900 طرح مبدئى. وبذلك يصبح التمويل من خلال طرح العملات الرقمية أكبر من إجمالى التمويل الذى تم جمعه من خلال شركات رأس المال المغامر و التمويل الجماعى.

ولتوضيح الموضوع دعنا أولاً نناقش التمويل من خلال الاكتتاب العام في البورصة، أي طرح جزء من الشركة في هيئة أسهم، فكل بورصة لها شروط لإدراج الشركات أهمها أن تكون الشركة قائمة بالفعل وليست مجرد فكرة.

البورصة المصرية أنشأت بورصة خاصة تنتمي إليها خاصة بالشركات الناشئة تسمى بورصة النيل، شروطها أبسط، فلا يوجد قيود على رأس المال، فمثلاً البورصة المصرية لا تسمح لإدراج شركة رأس مالها أقل من 20 مليون جنيه في حين أن بورصة النيل تسمح بإدراج شركة رأس مالها أقل من 50 مليون جنيه.

فالشركات التي تنطبق عليها شروط التسجيل في البورصة، يتم تقييمها ويطرح جزء منها في هيئة أسهم – وهذا ما يسمى الاكتتاب العام الأولي – يشتريها المستثمرون ثم يتم التداول بين المستثمرين وبعض من خلال كيان مركزى (البورصة) وكلما زادت قيمة الشركة زادت قيمة السهم.

التمويل اعتماداً على العملات الرقمية هو عبارة عن مزيج من حملة الاكتتاب العام الأولي وحملة التمويل الجماعي. تنشئ الشركات رموزًا رقمية Token يطلق عليها أحيانا عملات رقمية – ولكن هناك فرق جوهري بين الرموز الرقمية والعملات الرقمية سنبينه فيما بعد – تلك الرموز الرقمية تعمل كالعملة المعتمدة للتعامل مع المشروع، فصاحب المشروع الناشئ يحدد الحد الأدنى والحد الأقصى للميزانية المالية اللازمة لتنفيذ المشروع، ويحدد القيمة المالية للرموز الرقمية للمشروع، ثم يتم طرح تلك الرموز الرقمية للبيع الأولي فيقوم المستثمرون بشراء الرموز المطروحة بقيمة أقل من قيمتها تقريبا بـ 30 % من قيمتها.

وبذلك يصبح للشركة الناشئة التمويل المالي اللازم لإنشاء وتسويق المشروع، وبعد إطلاق المشروع يتم تداول الرموز الرقمية للمشروع كرموز رقمية على منصات التداول.

الرموز الرقمية التى يحصل عليها المستثمرون قد تعمل كأسهم فى الشركة، يحصل بموجبها على أرباح كما فى الاكتتاب العام، فبعض الرموز الرقمية عند طرحها تمثل حصة فى المشروع والبعض الآخر لا، وفى تلك الحالة يكون المكسب أو الخسارة على الاستثمار فى تلك الرموز الرقيمة فقط هو التغير فى قيمة الرموز الرقمية عند تداولها. وهنا يراهن المستثمرون على أن تلك الرموزالرقمية سوف ترتفع قيمتها إذا نجح المشروع.

التسويق للمشروعات القائمة على تكنولوجيا البلوكتشين

وبذلك أصبحت الرموز الرقمية للمشروع بمثابة العملة الرسمية لكل المعاملات المالية الخاصة بالمشروع من شراء أو بيع أو حتى التسويق للمشروع، فعلى سبيل المثال يمكن للمشروع مكافأة المسوقين بالعمولة بتلك الرموز الرقمية، أو مكافأة الجمهور نتيجة تفاعلاته، أو دفع قيمة الإعلانات الرقمية.

فأصبح هناك شركات متخصصة فى التسويق الرقمى للمشروعات المعتمدة على تكنولوجيا البلوكتشين، تلعب دورين مهمين، الدور الأول التسويق لفكرة المشروع للحصول على التمويل، والدور الثانى تسويق المشروع للجمهور المحتمل، وظهرت منصات متخصصة فى هذا النوع من التسويق، وأصبح هناك أشكال جديدة من طرق التسويق، فمثلاً أصبح فى الإمكان مكافأة الجمهورالعادي بالعملات الرقمية للمشروع نظير تفاعلهم أو تفاعل أى شخص يأتي من خلالهم أى يأتى مثلاً من منشور يضعه على شبكة الفيسبوك، ومن ثم يتم تحويل تلك الرموز الرقمية إلى عملات نقدية.

سلسلة الكتل أو البلوكتشين Blockchain

سلسلة الكتل Blockchain هي تكنولوجيا ظهرت عام 1991 – نعم عام 1991 – وهى قاعدة بيانات لا مركزية موزعة على عدد كبير من الأجهزة، فكرتها قائمة على أن كل بلوك يحتوى على بيانات، ممكن تكون تلك البيانات معلومات عملية بيع أو عقد ايجار أو أى بيانات من أى نوع، ويحتوي أيضاً بصمة البيانات الموجودة في البلوك السابق، ويحتوى أيضاً بصمة البيانات الموجودة في البلوك الحالى.

وهكذا سلسلة من البلوكات، كل بلوك يحتوي على بصمة بيانات البلوك السابق، ومن هنا يصعب التعديل في أي بلوك بعد وضعه وتتم عملية التوثيق من خلال عدد ضخم من الأجهزة، يصل في حالة إنتاج البيتكوين إلى 130 مليار جهاز يعمل بالتوازي، نعم يا سادة 130 مليار جهاز. تلك التكنولوجيا “سلسلة الكتل Blockchain” تستخدم في مجالات كثيرة منها العملة الرقمية والعقود وتسجيل الاعتمادات المستندية.

ويوجد العديد  من إصدارات البلوكتشين Blockchain مثل R3 Ethereum وكوردا Corda.

وتلك الأنواع ممكن أن تكون مفتوحة للجمهور، أو تقتصر على فئة معينة، أو نصف مفتوحة أى شخص يستطيع الإطلاع على البيانات لكن عملية التحقق من البيانات التى تشارك بها العديد من الأجهزة تكون مقصورة على أجهزة محددة.

أما العملات الرقمية فهي معادلات صعبة تتنافس الأجهزة في حلها وتأخذ وقت طويل في حلها، وبعد أن يعلن الجهاز عن حلها تقوم باقي الأجهزة بالتأكد من الحل، الذي لا يأخذ وقتاً طويلاً، وتلك العملات تستخدم تكنولوجيا البلوكتشين Block Chain كقاعدة بيانات لا مركزية لها.

ومصادر الربح من تلك التكنولوجيا عديدة منها التعدين أو المضاربة في بورصة العملات أو الحصول على تمويل للمشروعات والتي تعتمد على تكنولوجيا البلوكتشين Blockchain.

الفرق بين العملة Coin  والرمز الرقمى Token

الناس بشكل خاطئ يستخدمون الكلمتين على أن لهم نفس المعنى، ولكن هناك اختلاف جوهري بين المفهومين.

العملات coins والرموز الرقمية Token يندرجوا تحت تصنيف العملات المشفرة Cryptocurrency .

العملات coins والتي تسمى أيضاً alt coins أو cryptocurrency coins هى أموال رقمية تم إنشائها بنظام تشفير خاص وهى معتمدة على البلوكتشين، بشكل مبسط أى هي تكافئ المال في العالم الرقمي وأكبر مثال مشهور عليها هي البيتكوين Bitcoin.

حيث كل المعاملات مقيدة على قواعد بيانات البلوكتشين Blockchain الموزعة والمفتوحة للجمهور مما يزيد من الشفافية ويقلل الاحتيال (نعم يقلل ولا يمنع).

بشكل عام العملات coins  مربوطة على بلوكتشين مفتوحة للجمهورأى شخص ممكن يشارك فيها، وممكن لتلك العملات أن ترسل أو تستقبل أو تعدن.

أما الرموز Token فهي أصول رقمية تم إصدارها من خلال مشروع شركة ناشئة، يمكن استخدام الرموز Token كوسيلة للدفع داخل المشروع وهى في تلك الحالة تكون مثل العملات Coins، ولكن تعطى حامل تلك الرموز Token الحق في المشاركة في تلك الشبكة، فتلك الرموز تعمل كأصول رقمية لذا يمكن أن تمثل حصص الشركة وفي نفس الوقت يمكن أن تعطى حق الوصول لوظائف معينة للمشروع.

لتوضيح الرموز Token بشكل أفضل يمكن أن تمثل كتذكرة سينما، فتلك التذكرة لها قيمة يمكن استخدامها في وقت معين في مكان معين ولكن ليس من الطبيعي استخدامها في مطعم لدفع فاتورة الحساب، كذلك الرموز لها نفس الوظيفة فهى لها قيمة مالية، لكن تستخدم في مكان محدد وقت معين.

تخليق الرمز Token أسهل من تخليق العملة Coins، لتخليق الرمز ليس المطلوب إنشاء كود جديد أو التعديل في كود موجود بالفعل، بل استخدام تمبلت قياسية على منصة مثل Ethereum التي تعتمد على البلوكتشين الخاصة بها، ويمكن إنشاء الرموز Token في خطوات بسيطة.

باختصار العملة Coins هي وسيلة للدفع بينما الرموز Token  يمكن أن تمثل حصص للشركة أو تعطى حق الوصول أو استخدام خدمة أو منتج معين أو وظيفة محددة في منتج .

أنت ممكن أن تشتري الرموز Token  بواسطة العملات Coins وليس العكس، العملات تعمل بشكل مستقل بينما الرموز تعمل بوظيفة محددة داخل بيئة المشروع.

الخلاصة

زادت هذا العام الاستثمارات عن طريق الطرح المبدئى للعملات الرقمية على الرغم من التدقيق الشديد من جانب الجهات المنظمة مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات، وعمليات الاحتيال التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة. لكن المستثمرين الكبار الذين يركزون على التكنولوجيا لا يزالون يحرصون على هذا النوع من الاستثمار، ووصل التمويل لبعض المشروعات لمليارات الدولارات، والعديد من المشاريع التى حظيت بهذا التمويل  من خارج الولايات المتحدة الامريكية.

وبغض النظر هل تلك التكنولوجيا و هذا النوع من التمويل سيسود أو سينحصر، أعتقد أنها فرصة ذهبية لرواد الأعمال وأصحاب الأفكار الإبداعية للإستفادة  من تلك الثورة التكنولوجية.