هل لك أن تتخيل سوبرمان يقدم الطلبات في قهوة بلدي وينادي بأعلى صوته “أيوة جاى .. قهوة شاى” مستغلاً سرعته الخارقة في توصيل الطلبات، أو تتصور سبايدر مان يعمل نشالا في خط ترام السيدة زينب يستغل موهبة حباله العنكبوتية ليهرب وقت اللزوم.

تلك هي الصورة الذهنية التي سيطرت على عقلي وأنا أتعرف على ما يقوم به شباب من مخترقي شبكات وأنظمة الحاسب الآلي، هؤلاء الشباب يستغلون مهاراتهم في مجال تكنولوجيا المعلومات تحت مسمى “ضارب رحلات” حيث يقومون بإنشاء رحلات وهمية لصالح بعض ضعاف النفوس من سائقي شركة كريم، بحيث يجلس السائق في المقهى يحتسي الشاي وهو يشاهد سيارته تتحرك على الخريطة متجهه نحو الساحل الشمالي، ثم تعود السيارة من الرحلة وهى في الواقع لم تغادر مكانها، ويأخذ السائق حساب تلك الرحلة ولا أعلم على وجه اليقين هل هذا المبلغ يسحب من عميل ما دون علمه أم يتم استغلال الكوبونات المجانية، ومن ثم يأخذ هذا الشاب نسبة من تلك السرقة.

ذكرت هذا المثال، حتى أناقش زاوية محددة بعيدة عن الشق القانوني والديني والأخلاقي ونظم الحماية المهانة في شركة كريم.

شاب كهذا، بسيط في هيئته، محترف في مهاراته، عظيم في ذكائه، فقير في موارده، متواضع في طبقته الاجتماعية، متوسط في تعليمه، هذا الشاب تقاضى مبلغاً زهيداً في قيمته، ملوثا في ذاته، نظير هذا الاختراق، وكان من الممكن أن يحصل على قيمة أعظم لولا اختلال منظومة التدريب والتوظيف.

والسؤال الآن هل المهارات التكنولوجية لهذا الشاب تقل عن نظيره الذي يعمل في شركات تكنولوجيا المعلومات الكبرى؟؟ إجابتي: قطعاً لا.

السؤال التالي .. هل من ممكن أن يعمل هذا الشاب في تلك الشركات؟؟ إجابتي أنه صعب جداً.

ولندع التجربة الملهمة التالية هي التي توضح الهدف من التساؤلات السابقة، والتى قامت بها شركة من أجدر شركات تطوير البرمجيات في الإسكندرية المميزة بوجود نظام محترف لإدارة منظومة تطوير البرمجيات داخلها، والتي تتسارع  بعض الشركات – وخصوصاً ذات رأس المال الخليجي أو الأجنبي –  على اقتناص موظفين من فريق عمل تلك الشركة.

فكان يترك العمل بالشركة حوالي 90% من فريق العمل بها كل سنة، لذا لجأت الشركة لوضع معايير جديدة في اختيار المبرمجين، معايير لا تغض الطرف عن المهارات والذكاء والاستعداد للتعلم، ولكن بمستوى قبول أقل لمعايير أخرى، مثل مهارة نطق اللغة الإنجليزية أو حتى العربية لشاب من أرياف مصر، أو نوع التعليم الحاصل عليه، أو أى معايير يمكن اعتبارها تمييزا طبقيا أو تمييزا على أساس الريف والحضر أو الشهادة، وبعد تلك التجربة انخفض معدل ترك العاملين إلى 5% فقط.

كما أذكر أيضاً تجربة قام بها معهد  تكنولوجيا المعلومات لتدريب أطفال وبنات الشوارع على أدوات برامج تكنولوجيا المعلومات، التي تحتاجها بعض المؤسسات وممكن أن تقوم بتشغيل تلك الفئة، وكانت النتيجة مذهلة !! إذ تحول هؤلاء الأطفال من مشاغبين نظرة العدوانية تملأ أعينهم والحدة تسيطر على ألفاظهم فى أول يوم تدريب إلى أطفال ممتازين مطمئنين هادئين متفاعلين عازمين على أن يكونوا جزءً فعالا فى الوطن في آخر يوم من أيام التدريب.

فيا كل سيادة رئيس مسؤول عن مبادرات أو مسابقات، هل لنا أن نراجع معايير الاختيار للتأكد من عدم وجود تمييز طبقي ظالم لفئات من المجتمع تستحق أكثر من غيرها الحصول على المنح المجانية، فئات يحتاج الوطن إلى كفاءتها وعقلياتها.

وهل لنا من جهه رقابية تراجع المنح المقدمة لبعض الجامعات الخاصة، ولا يستفيد منها إلا أبناء تلك الجامعات.

ويا أيها السادة رؤساء الشركات والمؤسسات، هل لنا أن نعيد النظر في معايير القبول في شركاتكم الموقرة، لتكون متوافقة مع المهارات اللازمة للوظيفة فقط دون تمييز طبقى أو جغرافى أو طائفى، ولندع الوجاهة الاجتماعية لفريق العمل الذي يمثل واجهة الشركة.

وهل أكون حالما إذا طالبت بتمييز إيجابي بتخصيص منح لتلك الفئات أو أن يكون هناك أولوية في الاختيار لأبناء محدودي الدخل أو المناطق الجغرافية المهمشة أو كل الفئات الضعيفة والمهمشة إذا تساوت باقي المعايير.

نحن في وطن يحتاج إلى سواعد وعقول الجميع دون أي تمييز أو عنصريةـ ولا نلوم إلا أنفسنا إذا تحولت تلك الفئات إلى قنابل كارهة للوطن تستبيح العام والخاص.