في سنة 2012 منَّ الله عليَّ بحادث سيارة أقعدني في منزلي حوالي 6 أشهر، درست خلالها التسويق الرقمي، من خلال العديد من المصادر منها كتب ومواد دراسية في التسويق كنت قد حصلت عليها خلال فترة تدريبي في جامعة DIT في أيرلندا، وبدأت في تطبيق ما درست في عدد من المشروعات وبالفعل حققت نتائج كنت أرى وقتها أنها رائعة مقارنةً بطرق التسويق التقليدية.

بعد ذلك ومع وجود خطة لإنشاء قسم متخصص في التسويق الرقمي في معهد تكنولوجيا المعلومات، حصلت على منحة لدراسة التسويق الرقمي في إنجلترا، في بدء الأمر لم أكن متحمساً لأني لم أقدر حجم الاستفادة، فأنا أرى نفسي (عالم علَّامة) ولا ينقصني إلا أقل القليل، لأنى مطلع على المقالات العالمية بشكل مستمر، ولأنى بدأت أحد فروع التسويق الرقمي وهو مجال Search Engine Optimization SEO منذ عام 1999، ولكن تحقق المثل العربي “كل مجر في الخلاء يسر”، حيث كانت الصدمة الأولى لى عندما بدأت في مراسلة أحد الأماكن التي سأدرس بها، وأرسلوا لي عناوين المواضيع التي سأدرسها، كانت عبارة عن 82 صفحة تحتوى فقط عناوين ما سوف أدرسه، ومعظمها مواضيع لم أسمع عنها من قبل ولم أجدها حتى على شبكة الإنترنت.

ثم توالت الصدمات، وأيقنت أنى كنت لا أعلم وكنت لا أعلم أنني لا أعلم، نعم كنت أحمق، الآن لا يمر عليَّ يوم إلَّا وأحاول أن أتعلم فيه جديد وأعمل في العديد من المشاريع العالمية لأمارس ما تعلمت، وأعلم يقيناً أنى ما زلت لا أعلم، لكنى أعلم أننى لا أعلم ويجب أن أستمر طالباً للعلم.

أذكر كل تلك المقدمة بسبب ما أرى من حال العديد من العاملين في قطاعات عديدة في بلدي الحبيب. قابلت أحد المدربين في دورة إدارة الحملات الإعلانية على منصة جوجل الإعلانية، هذا المدرب يدير هذا القسم في شركة من كبرى شركات التسويق الرقمي في هذا المجال، وفوجئت وهو يعرض الحساب الإعلاني الخاص بعمله، وهو يحتوي علي حملات إعلانية لأكبر البراندات في مصر، ومع الأسف ملايين من الجنيهات التى تذهب لجيوب الغرب  تلقى على الأرض بدون أي عائد وذلك بسبب سوء الفهم والإدارة وغياب أي معايير مهنية أو مؤشرات أداء حقيقية يحاسب عليها.

وقابلت آخر، مدرب تخصصه إدارة الحملات الإعلانية على الفيس بوك لمشاريع كبيرة، ومع الأسف لا يعرف أبسط المعلومات عن أدوات إدارة الحملات ومبادئ وقواعد تعظيم العائد على الاستثمار، وذلك يرشد رواد الأعمال لإقامة مشاريع ناجحة وهو لم يقم ولم يعمل يوماً فى يوم مشروع ناشئ، والعديد والعديد من نماذج نقابلها والجميع يتمتع بلقب خبير في ظل غياب تام لأى معايير أو قواعد تنظم المهنة، وأصبحت “الفهلوة” هي السمة السائدة اللازمة للتفوق. وذلك ينطبق للأسف على العديد من التخصصات فى الطب والهندسة والنجارة وميكانيكا السيارات والصحافة والإعلام لتشمل معظم قطاعات الدولة.

هل يمكن أن نخرج من دنيا المهلبية ونواجه الفهلوة والإفتاء بغير علم من خلال وجود مؤسسات تضع معايير مهنية وطنية تتخذ من المعايير العالمية مرجعاً لها، تضمن كفاءة وجودة الخدمات المقدمة من الشركات والمؤسسات، وتؤهل وتدرب الأفراد لرفع مهاراتهم لتواكب المعايير العالمية، وتضمن الكفاءة والمهارة وتمنح ترخيص مزاولة المهنة على حسب المهارات لا الشهادات.

أم سيأتى الحل تلقائياً بنضوج سوق كل تخصص ليظهر بوضوح الفرق بين مهارات وخبرات العاملين فى كل تخصص، ولينقذنا الله واياكم من دنيا المهلبية.