في سنة2004 بدأت أنا ومجموعةمن زملائي تصميم وتنفيذ برنامج تدريبي صيفي للأطفال في مجال تكنولوجيا المعلومات واستعنا بالعديد من الدراسات التربوية في هذا المجال، كما درسنا العديد من التجارب والبرامج العالمية. واستفدنا كثيراً من أبحاث وخبرات الدكتورة فاتن عبد اللطيف التي أصبحت فيما بعد عميد كلية رياض الأطفال بالإسكندرية.

وكانت طريقة التدريب في هذا البرنامج تعتمد على وجود أهداف يضعها الأطفال بأنفسهم مع مدربيهم لتنفيذها من خلال مشروع في نهاية البرنامج التدريبي، فيتعلم الطفل ما يريد أن يتعلم من برامج الكمبيوتر لينجز الأهداف التي وضعها لنفسه، سواء موقع الكتروني أو فيديو أو برنامج تفاعلي، ليدخلوا بعدها مسابقة الكل فيها فائز.

وكان مردود البرنامج رائع على العديد من الأطفال، حيث أبهرونا بإبداعات مذهلة ورائعة من انجازاتهم.

والتحقت ابنتى في سنة 2006 في هذا البرنامج وهى لم تكمل عامها الرابع، وكان عندي آمال كبيرة لتأثير هذا البرنامج عليها، ولكن لم يتحقق المأمول لها !!!

وبدأنا أنا وزوجتى العديد من المحاولات الأخرى على مدار السنوات التالية، وبالرغم من أن ابنتي كانت مستخدمة ممتازة للتكنولوجيا، لكنها لم تكن ولم تحب أن تكون مبدعة فيها أم منتجة لها.

وأصابتنا خيمة الأمل .. كانت كل أحلامنا لها تكنولوجية.

ومنذ 4 سنوات، كنت أقرأ عن نظرية الذكاءات المتعددة جاءت لي فكرة لتنفيذ برنامج جديد يعتمد على تلك النظرية. أولاً أحدثكم قليلاً عن نظرية الذكاءات المتعددة ثم أطرح عليكم التجربة التي قمنا بها إعتماداً على تلك النظرية.

نظرية الذكاءات المتعددة هي نظرية توصل لها العالم هوارد جاردنر Howard Gardner سنة 1983 في جامعة هارفارد، وحدث بعدها العديد من التطوير والإضافة، قلبت تلك النظرية موازين قياس مواهب الطفل، فبعد ما كان 3% فقط من الأطفال موهوبين أو أعلى ذكاءً من أقرانهم طبقاً للنظريات القديمة، ظهرت تلك النظرية لتقول أن 97% من الأطفال أذكياء، و3% الباقية يتمتعون بأنواع أخرى من الذكاء لم نكتشفها نحن بعد.

فهناك الذكاء اللغوي، وهو القدرة على استخدام اللغة والتواصل والإقناع وطرح الأفكار، ولصاحبه القدرة على التفريق بين الكلمات، والقدرة على التعبير بشكل بلاغي، واستخدم هذا النوع حالياً في عملي للكشف عن المواهب القادرة على صناعة المحتوى.

وهناك الذكاء المنطقي، الذي له علاقة بالتفكير الرياضي ولصاحبه القدرة على الاستنتاج والاستنباط وإيجاد العلاقات التجريدية وحل المشكلات، واستخدم هذا النوع من الذكاء في عملى لاستكشاف الأشخاص المميزين كمطوري برامج programmers أو القادرين على تحسين نتائج الحملات الإعلانية.

وهناك الذكاء الإجتماعى والذى يؤهل صاحبه لفهم دوافع ورغبات الآخرين، فيستطيع صاحبه العمل وإدارة فريق بنجاح. وفي عملي استفيد من هذا الذكاء في تحديد الأشخاص القادرين على إدارة المجتمعات الالكترونية مثل إدارة صفحات الفيس بوك.

وهناك أيضاً الذكاء الموسيقي ولصاحبه القدرة على تذوق الأنماط الموسيقية وإيقاعها والقدرة على التأليف الموسيقي والغناء. والذكاء الجسمي الحركي، ويكون لديه القدرة على استخدام كامل جسمه أو أجزاء منه بتوافق كامل مع العقل ليكون هناك تناغم كامل بين ما يريده العقل وما تنفذه حركة الجسم. وهناك ذكاءات أخرى، مثل الذكاء المكانى، والذكاء الشخصي.

نعود للتجربة التي قمنا بها بعد دراسة تلك النظرية، ودراسة الاختبارات الخاصة بها، والبرامج التدريبية المعتمدة عليها، قمت أنا وزوجتي بتصميم برنامج تدريبي مختلف لأبنائي وأبناء أخواتنا، البرنامج التدريبي قائم على فكرة الذكاءات المتعددة، وبحثنا عن مدربين مقتنعين بالفكرة ويعشقون ما يبدعون فيه لينقلوا شغفهم لأبنائنا.

وأخيراً وجدت أن شغف ابنتي في الرسم وتحديداً الرسم بالزيت، أصبحت الآن بفضل الله مبدعة في الرسم به، وأصبحت تبدع في العالم الرقمي لتستفيد منه في شغفها الأساسي، وأصبح لديها براند تسعى لإشهاره. وأذهلني إبداعها الذي فاق توقعاتي.

وأثناء امتحاناتها في الشهادة الإعدادية كانت تعاني من مشكلات صحية، تعوقها عن المذاكرة، وعن القيام بأى مجهود، ومع ذلك بمجرد أن تحدثت معها بخصوص فكرة لصديق لى يريد أن يعملها لذوى الاحتياجات الخاصة، وجدتها تحمست وطرحت لى أفكاراً رائعة وسردت لى قصص المؤثرين المشهورين على انستجرام من ذوى الاحتياجات الخاصة، وكيف يمكن الاستعانه بهم.

السؤال المهم، كم محمد صلاح فقدناه في جموع كارهي ما يمتهنون؟ وكم أحمد زويل تم دفنه في وظيفة روتينية؟

الله عادل، وأعتقد أن من تجليات عدله – سبحانه وتعالى – أن كل واحد منا أخذ نصيبه (24 قيراط) من نوع من الذكاء المختلف، وكلما قل قدر نوع من الذكاء زاد قدر النوع الآخر.

فاسعد إذا كان طفلك يعاني من انخفاض نوع من أنواع الذكاء، فبالتأكيد سيكون هناك تميزفي نوع آخر، فلتعمل على اكتشافه.