“مفيش حد حيشوف حاجة سيادتك مش عايزه يشوفها، حتكون موجود بين عين كل موظف وعقله، أنت اللي حتفسر لهم اللي بيشوفوه وتحلله لهم ” كانت تلك العبارة أكثر عبارة كرارها طارق فى حياته فهى جزء من العرض المرتقب الذى سيقدمه فى الصباح لرئيس شركة الحارس، ليعرض عليه شراء أهم وأحدث نظام الكترونى للأمن والأمان، بل والهيمنة والسيطرة على جميع العاملين بالشركة، فلم يستطع النوم فخرج من فيلته وقاد سيارته الفخمة متجهاً إلى فندق الرواد، فهذا الفندق هو ملتقى المؤثرين من مجلس إدارة شركة الحارس، وبعض المستثمرين في الشركة. ومعظم الصفقات التجارية مع الشركة ومعظم التحركات والترقيات الإدارية يتم ترتيبها ليلاً على بار الفندق. لكنه تراجع عن نية الذهاب للفندق، فغداً سيعرض على رئيس الشركة كيف يتحكم في هؤلاء المنتفعين وكيف يسيطر عليهم، مع انه هو نفسه جزء من هؤلاء، فكل صفقاته مع الشركة تم الترتيب لها في هذا الفندق، حتى لقاؤه غداً مع رئيس الشركة تم الإعداد له وتحديد العمولات في الفندق.
ولكن السؤال المهم، هل الرئيس لا يعلم شيء عن هذا الفندق والتجمعات والصفقات التي تبرم فيه، أليس له عيون تنقل له كل ما يحاك هناك؟
وفجأة صدم تفكيره موضوع مهم، فتوقف بسيارته بجانب أحد الحدائق في الكمباوند الذي يسكن فيه، ونزل من السيارة وأخذ نفس عميق من السيجار وأطلقه في الهواء ليشكل سحابة في سواد الليل، ليرى فيها نفسه وهو يعرض على رئيس الشركة – منذ خمسة عشر سنة – نظام الكتروني يسمح للشركة بتسجيل كل المكالمات الأرضية ومكالمات الموبايل والرسائل على تطبيقات ومواقع الانترنت، وتذكر مدى سعادة الرئيس بالنظام وتوقيعه للعقد في الحال بالرغم من ارتفاع التكاليف وفتح التعيينات في قطاع الأمن وزيادة مرتباتهم بسبب المهام الجديدة الموكله لهم من متابعة ورصد أي تهديدات محتملة من موظفين الشركة، فلم يرضى رئيس الشركة على الاعتماد على برامج الذكاء الصناعي فقط، وطلب من قطاع الأمن الاستماع لكل المكالمات وقراءة كل الرسائل بشكل مباشر، وما زالت شركة الحارس تدفع إلى الآن لشركته العالمية مبلغاً ضخما نظير صيانة وتطوير النظام، وهو نفسه حصل على عمولة ضخمة بل وتم تعيينه رئيس لقطاع تكنولوجيا المعلومات في شركة الحارس.
وبالرغم من أنه المسئول عن هذا النظام حالياً من الناحية الفنية، إلا أن قطاع الأمن بالشركة هو الذي يدير النظام وحذفت كل صلاحية له على النظام، حتى أنه نسي تماماً وجود هذا النظام. فهل يرصد هذا النظام نفوذ وصفقات وترتيبات شلة فندق الرواد؟؟!!!
جلس طارق على الأريكة المواجهه للبحيرة الصناعية، ومع انعدام نسيم الهواء وكأن اسوار الكمبواند التى تزداد كل يوم أرتفاعا قد منعت مرور الهواء، انتبه أنه اختلط عليه الماضي بالحاضر بالمأمول، فهو الآن يعمل بشركة الحارس، فهل يتقبل رئيس الشركة أن يعرض عليه رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات بشركته نظام جديد من شركته العالمية السابقة؟؟ وهل علم رئيس الشركة أنه سافر للتدريب على كيفية تشغيل النظام الجديد؟ وهل يعلم ما وعدته به شركته العالمية السابقة من مكافأة مالية ضخمة ومنصب نائب رئيس شركة الحارس في حالة إتمام الصفقة؟؟
شرد بالأفكار بعيداً عندما تخيل كل السيناريوهات المحتملة في حالة إذا كان رئيس الشركة قد رصد كل الاتفاقات مع شركته السابقة وكل الترتيبات التي تمت في فندق الرواد.
ثم قال لنفسه هامساً : “لا يهم” فهو لا يملك رفاهية الرفض، فهو ينفذ أوامر شركته العالمية بدون أى نقاش أو تفكير، ثم إن النظام الذي سيعرضه على السيد الرئيس يجعله يغض الطرف عن أي شبهه فساد في الصفقة، واستطرد قائلاً لنفسه: “المهم الآن هو التركيز على عرض النظام على الرئيس”
تذكر كيف تم تطوير نظام الهيمنة الإلكتروني فى جيله الثانى فمنذ 20 سنة، عندما قامت بعض أعمال الشغب في الشركة وأصيب الشاب عادل وقطع العصب الواصل بين مخه وعينيه، ووقف العلم عاجزاً لسنوات أمام تلك الحالة، إلى أن حدثت ثورة فى تطوير تكنولوجيا الشريحة الالكترونية المتصلة بخلية حيوية Biochip تلك التكنولوجيا التى سمحت بوجود شريحة حيوية تتصل بالعصب البصرى من طرف وبشريحة الكترونية من الطرف الآخر، تأخذ الإشارات المرسلة من العين وترسله لاسلكياً إلى شريحة حيوية أخرى متصله بالعصب المتصل بالمخ، فكان هذا الاختراع طفرة علمية اهتزت لها الأوساط العلمية والطبية والسياسية فيما بعد.
وبالرغم من عدم تساؤل أى أحد لماذا يكون الربط بي الشريحيتين لاسلكياً، فالمسافة بين الشريحيتين صغيرة جداً ومن المنطقي أن يكون الربط سلكياً، ردت الشركة في هيئة مميزات للنظام اللاسلكى الذى يسمح لأى شخص يضع النظام الجديد أن يسجل ما يرى على حسابه الشخصي المؤمن J على السحابة الرقمية للشركة العالمية، كما يمكن لأى شخص مشاركة ما يرى مع أصدقائه، كما أن وجود اتصال لاسلكي يمكن الشركة العالمية من عمل أي صيانة للشريحة أو تحديث للبرمجيات الموجودة على الشريحة.
والميزة الأهم والأعظم هي إمكانية دمج تقنيات الواقع المعزز Augmented Reality مع الشريحة المتصلة بالمخ، فأصبح هناك مستوى جديد من الألعاب والترفيه، حتى تبارى كبار الموظفين ثم تبعهم باقى العاملين لقطع العصب الموصل بين المخ والعينين لتركيب النظام الجديد.
لم يستطع الجلوس طويلاً على الأريكة المواجهه للبحيرة، فعاد إلى سيارته حيث هواء التكييف الذى لم يستطيع الاستغناء عنه. وهنا تذكر الزوبعة التى حدثت بعد أن حدث اختراقات لهذا النظام وكيف تم السيطرة على الشاب عادل من جهة ما، وهنا أعلنت شركته العالميه أسفها وقدمت اعتذارها وأوقفت دعمها لهذا النظام، وكما كان لهذا النظام ضحايا كان لايقاف النظام ضحايا، فمنهم من فقد البصر إلى الأبد. وكانت الصدمة القاسية عندما سافر ليتدرب على الجيل الثالث للنظام والذى سيعرضه على الرئيس فى الصباح، أن الشركة لم تنهى دعمها للنظام بل طورته فى سرية تامة إلى الحد الذى لا يستلزم معه إجراء عملية لزرع الشريحة، بل يكفى أن يتناول جرعات من مادة تم تصنيعها بعد الطفرة التى حدثت فى النانوتكنولوجى، تلك المادة تترسب على أعصاب المخ فتتحول إلى مستقبلات يمكن بث لاسكياً أى معلومات إليها !!!. ضحك طارق بصوت عالى عندما تذكر كيف تم اطلاق علامة تجارية لزجاجة ماء والترويج لمميزاتها الخارقة للحفاظ على البصروكيف اقترض صغار العاملين للحصول على تلك الزجاجات وما كانت تلك الزجاجات الا ماء عادى تم وضع تلك المادة المصنعة بالنانوتكنولوجى، تباع بعشارات أضعاف سعر زجاجات الماء العادى. وهنا قال طارق بصوت عالى مبتسما “آه يا ولاد الكلب، خلتونا نشترى طوق لعقلنا بفلوسنا”
استمر جالساً فى السيارة إلى أن ظهرت خيوط الصباح، فانتبه لموعده مع الرئيس في الصباح الباكر، فانتفض مسرعاً ليلحق بالموعد مسلحاً بالحاسب المعد من قبل الشركة العالمية، وبدأ يعرض على السيد الرئيس ورئيس قطاع الأمن مميزات النظام، وقال بصوت الواثق: ” مفيش حد حيشوف حاجة سيادتك مش عايزه يشوفها، حتكون موجود بين عين كل موظف وعقله، أنت اللي حتفسر لهم اللي بيشوفوه وتحلله لهم”
فقال رئيس الشركة وهو يرجع بظهره إلى الخلف وينظر إلى أعلى وكأنه يكلم نفسه “يعنى ذكائهم حيزيد وحيفهموا أحسن وبكده ينتهى الغباء من الشركة” ثم قال بصوت الآمر:”ورينى النظام عملى بيشتغل ازاى”
ثم بدأ طارق في تشغيل النظام وعرض لوحة التحكم على تلفاز عملاق فظهرت شاشة عليها خريطة بها كل أفرع الشركة وعلى الجانب الأيسر للشاشة ظهر فلتر ممكن من خلاله الوصول لأى من العاملين بالشركة من خلال الاسم أو المؤهل أو القطاع الى بيعمل فيه أو بالذى يراه حالياً أو رآه فى الماضى وهل هو مؤيد لسياسات الشركة أو معارض لها، وهنا طلب طارق من الرئيس الأذن أن يبدأ التجربة العملية، فطلب دخول أحد رجال الأمن ليجرى عليه التجربة، ووضع أمامه صورة حمار وسأله: “ماذا ترى؟” فقال: ” حمار” ثم قام طارق بالضغط على صورة رجل الأمن الظاهر على الخريطة لتظهر قائمة تسمح له بالتلاعب بما يرى رجل الأمن وقال له مرة أخرى: “ماذا ترى؟”، فقال: “سيارة”، فقال الرئيس بعصبية: “إنها طائرة ولم تتغير” فاندهش طارق وألجمت كلمات الرئيس لسانه، وصدم عندما عاد إلى شاشة الحاسب مرة أخرى، فهل هناك من يسيطر على الرئيس؟؟؟!!! وهنا قال الرئيس: “ياللا نمضي العقد”