أثيرت في الفترة الحالية ضجة في عالم الإعلام و السياسة والتكنولوجيا والتسويق عن استخدام الفيسبوك لوصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية، مع وجود العديد من التساؤلات والأخبار والتكهنات والأخبار المغلوطة، وفي هذا المقال سيتم توضيح ما هو متاح للمسوق العادي على الفيسبوك من أساليب وطرق للوصول وإقناع العملاء ثم الطرق المتقدمة التي استخدمتها شركة «كامبريدج أنالاتيكا« في حملة ترامب، وهى طريقة مستخدمة في العديد من الحملات الإعلامية ولكنها معروفة للخبراء في عالم التسويق الرقمي، فتلك الطريقة موجودة ضمن مناهج منحة التسويق الرقمي لطلاب معهد تكنولوجيا المعلومات التابع لوزارة الاتصالات.
دعنا أولاً نحدد المصادر التي يحصل منها الفيسبوك على بيانات عن المستخدمين:
- البيانات التي يضعها المستخدم بنفسه، ومنها المعلومات الديموجرافية، مثل السن والنوع والحالة الإجتماعية والوظيفة والتعليم وما إلى آخر القائمة.
- بيانات جغرافية، فالعديد من المواقع والتطبيقات الإلكترونية تجمع بيانات عن التواجد الجغرافي للمستخدم ليكون في النهاية عندها معلومات عن تحركات وسفريات وزيارات المستخدم.
- بيانات التفاعل، فكل إعجاب أو مشاركة أو تعليق أو فعل يسجل ليستنتج منه معلومات عن سلوك واهتمامات المستخدم.
- بيانات من تكامل مصادر البيانات الأخرى، فالفيسبوك عنده شراكات مع شركات ومؤسسات مثل Acxiomو Experian و Epsilon و يحصل بموجبها على كمية هائلة من البيانات مثل الثروة والعقار والسيارة التي يمتلكها المستخدم، ومن خلال رقم الموبايل أو الإيميل يمكن ربط تلك البيانات بمستخدم محدد.
- بيانات التكامل مع المواقع والتطبيقات الإلكترونية، فهناك علاقة منفعة متبادلة بين المواقع والتطبيقات الإلكترونية والفيسبوك، يحصل بموجبها الموقع الإلكتروني أو التطبيق على:
- معلومات وإحصائيات ديموجرافية وجغرافية عن زوار الموقع أو التطبيق والمتفاعلين معه، بالإضافة إلى اهتماماتهم وسلوكهم والعديد من المعلومات الأخرى، وتك الميزة تم إعلان ايقافها من الفيسبوك أثناء كتابة هذا المقال.
- الميزة الثانية التي يمنحها الفيسبوك للتطبيقات والمواقع هي إمكانية تخصيص إعلانات محددة لفئة معينة من فئات زوار الموقع أو للزوار الذين قاموا أو لم يقوموا بتفاعل محدد على الموقع أو التطبيق.
وعلى الجانب الآخر يحصل الفيسبوك على بيانات مستخدمي المواقع والتطبيقات من تفاعلات ومشتريات وقدرة شرائية.
وتتجلى القوة التسويقية للفيسبوك في مجموعة من الأدوات يضعها الفيسبوك بين يدى المسوق العادي والشخص العادي، منها أداة Audience Insight والتي تعتمد اعتماداً كلياً على البيانات التي حصل عليها الفيسبوك والمعلومات التي استنتجها منها ليصبح بين يدى المستخدم مركز أبحاث سوقية وتسويقية يمكن من خلاله دراسة العملاء الحاليين والمحتملين، والحصول على احصائيات عن المعلومات الديموجرافية والجغرافية واهتماماتهم وسلوكهم والأحزاب التي ينتمون إليها.
فمثلاً يمكن لتلك الأداة أن تعطي إحصائيات ديموجرافية وجغرافية والمواقع المفضلة عن المهاجرين الاستراليين الموجودين في مصر والمهتمين ببيتزا دومينوز وعمرهم من 20 إلى 22 سنة، ويديرون صفحات الفيسبوك.
كما يمكن الحصول على نفس الإحصائيات على سبيل المثال عن الذين ينتمون إلى الحزب الجمهوري في أمريكا ويهتمون بصناعه السيارات الأمريكية في سن 40 سنة في ولاية ميتشجن مثلاً.
تخصيص رسالة تسويقية لشريحة محددة من العملاء Micro targeting
ويمكن الفيسبوك المسوق من تخصيص رسالته التسويقية لكل فئة من الجمهور المستهدف لتعظيم التأثير وزيادة الإقناع.
فعلى سبيل المثال، يستطيع من يسوق مثلاً لمتجر ساعات رجالي أن يرسل رسالة للسيدات من سن 25 إلى 35، وعيد ميلاد أزوجاهم خلال شهر، والمهتمين بالساعات الأصلية والمقيمين في منطقة كفر عبده وفي نفس الوقت فانز للممثلة منى زكي وتكون الرسالة الإعلانية تستخدم الممثل أحمد حلمي ومنى زكي، وتخصيص رسالة أخرى لفانز أحمد عز وهكذا.
كما يستطيع المسوق لتطبيق موبايل أن يقدم خصومات من خلال إرسال رسالة على الماسنجر لكل من قام بتنصيب التطبيق، وعيد ميلاد أصدقائهم المقربين خلال أسبوع والمهتمين بالزهور ، تحتوي الرسالة على خصم على شراء هدايا زهور من محل الزهور المفضل لهم على أن يكون ممن يشتري من خلال الانترنت.
وكمثال آخر يمكن للمسوق لحضانة أطفال أن يخصص رسالة إعلامية موجهه إلى الأمهات اللاتي لهن أبناء أقل من 3 سنوات، ومتفاعلات مع صفحات القرآن الكريم ومتواجدين في منطقة محددة في المعادي، ثم يوجه لهن رسالة تبرز مميزات الحضانة الخاصة بتحفيظ القرآن.
ويبرز هذا الأسلوب بقوة في التجارة الإلكترونية، فمثلا يمكن تخصيص كوبون خصم لهؤلاء الذين وضعوا منتج ما في سلة الشراء ولم يشتروا، أو لمن اشترى منتج ما فيتم عرض له منتج مكمل، وهكذا لا تنتهي أساليب تخصيص الرسالة الإعلانية والإعلامية لفئة محددة من الجمهور اعتماداً على اهتمامهم وسلوكهم والتكنولوجيا التي يستخدموها ونوع العقار الذي يسكنوه والأحزاب السياسية التي ينتمون إليها، أو النادي الرياضي الذي يشجعه أو الثروة التي يملكونها أو عدد الأبناء وأعمارهم أو المناسبات السعيدة لهم أو لأصدقائهم، ويختلف هذا التخصيص من دولة لأخرى ومن إعلان ممول إلى منشور عادي.
تخصيص رسالة تسويقية اعتمادا على السيكولوجية النفسية للجمهور المستهدف
في الجزء السابق من المقال تحدثنا عن القدرة التسويقية للفيسبوك والكامنة في مقدار البيانات التي يجمعها عن المستخدمين والتي أتاح جزء منها للمسوقين سواءً لاستخدامها في الأبحاث السوقيه والتسويقية، أو استهداف شريحه محددة جداً برسالة إعلامية أو إعلانية لتعظيم قوة الحملة التسويقة، ولكن هذا ينقصه الكثير، فتلك الطريقة قائمة على ما هو متاح من البيانات فلا يستطيع المسوق مثلاً استهداف الجمهور على حسب التحليل النفسى لشخصيات الجمهور المستهدف مثل استهداف الطموحين أو المكتئبين أو المنفتحين على الأفكار الابداعية أو على حسب تأثير الشخص ونفوذه على الفيسبوك.
ولنبدأ الآن في السحر الحقيقي، وهو الأسلوب الذى تم استخدامه في حملة ترامب. هذا الأسلوب يعتمد على:
- تحديد الشخصيات ذات الصفات المراد استهدافها.
- ايجاد العلاقة Correlation بين صفات الشخصيات والمتاح من بيانات لهم على الفيسبوك.
- فإذا تم ايجاد تلك العلاقة يمكن استخدام الفيسبوك فى الاستهداف المتقدم.
سيتضح لنا هذا الاسلوب من خلال ثلاث تجارب.
التجربة الأولى قام بها الدكتور ديفيد ستلويل – نائب مدير مركز القياسات النفسية في جامعة كامبردج – هو والفريق البحثى ويعد هذا المركز أقدم وأهم المراكز فى القياسات النفسية في العالم.
ابتكر ديفيد تطبيقاً صغيراً اسمه MyPersonality يعمل كتطبيق على الفيسبوك ليجمع المعلومات التي يتطوع المستخدمين بتقديمها. هذا التطبيق يحوى أسئلة مختلفة متعلقة بالقياس النفسى وهو مجموعة من الأسئلة السيكولوجية المرتبطة باختبار «الخمسة الكبار» الـ«Big Five» ، وهذا الاختبار عبارة عن تجمع هرمى لأبرز سمات الشخصية للإنسان وهي الانفتاح، والإجتماعية، والتوافق، والاضطراب (أو القلق)، والضمير أو الوعي. وكل عنصر من العناصر الخمس تحته مجموعة أخرى من السمات الشخصية. كان يتصور ديفيد أن هذا الاستبيان سوف يستكمله فقط زملاء الجامعة لأنه استبيان شديد التعقيد والخصوصية، ولكن المفاجأة أن هذا الاستبيان استكمله 6 مليون شخص وسمح منهم 4 مليون شخص بالحصول على البروفايل الشخصى على الفيسبوك بما يحويه من تفاعلات من إعجاب أو مشاركة، فأصبح لدى مركز كمبريدج للقياسات النفسية ثروة من البيانات، استطاع من تحليل البيانات أن يجدوا علاقة بين السمات الشخصية والبروفايل الشخصى على الفيسبوك، فيمكن استنتاج من البروفايل الشخصي على الفيسبوك إذا كان الشخص طموح أو إذا كان منطوى أو مدى ذكاؤه، ديانته، انتماؤه، وعلاقته بالكحول والسجائر والمخدرات أو حتى إذا كان أبواه منفصلان والعديد والعديد من الصفات، بل إن الأمر وصل إلى مستويات مذهلة، ففى عام 2012 من خلال دراسات علمية استطاع أن يثبت بالدليل أنه بفحص متوسط 68 «إعجاب» على الفيسبوك لأحد المستخدمين، يمكن التنبؤ بعرق الشخص (بنسبة دقة تصل إلى 95%)، وتوجهه الجنسى (بنسبة دقة 88%)، وانتماؤه الحزبى (بنسبة 85%)..
ودراسة أخرى أثبت المركز من خلالها أنه بدراسة «عشرة إعجابات» فقط على الفيسبوك يمكن معرفة شخص وتقييمه بصورة أدق من معرفة زميله في العمل له، أما « 70 إعجاب» فهى كافية لتقييم الشخص بشكل أدق من تقييم أصدقاؤه له، «150 إعجاب» تقييم أفضل من والدى الشخص له، و«300 إعجاب» معرفة أكثر مما يعرفه الأزواج عن بعض. والمزيد من «الإعجابات» تتجاوز في بعض الأحيان ما يظن الشخص أنه يعرفه عن نفسه، جزء كبير من الأبحاث والبيانات متاح على شبكة الانترنت وجزء آخر متاح للدارسين عند التواصل مع المركز.
التجربة الثانية قام بها كاتب هذا المقال المهندس محمد حنفى، استخدم نفس الأسلوب فى تحديد درجة تأثير ونفوذ الأشخاص على شبكات التواصل الاجتماعى اعتماداً على البروفايل الشخصي والطريقة موضحة فى ورقة بحثية تم نشرها فى سنة 2016 فى مؤتمر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فى حياتنا فى كلية التجارة جامعة الاسكندرية.
الطريقة الثالثة هى التى استخدمتها شركة »كامبريدج أنالاتيكا« من خلال استخدم تطبيق آخر اسمه ThisIsYourDigitalLife هذا التطبيق قام بتنزيله 270 ألف مستخدم ولكن التطبيق كان له صلاحية للوصول لبيانات الأصدقاء فبذلك وصل تقريبا 50 مليون مستخدم.
كما كشف ألكسندر جيمس أشبورنر نيكس، رئيس مجلس إدارة شركة «كامبريدج أنالاتيكا» فى قمة كنكورديا عن قدرات الاختبارات النفسية في العملية الانتخابية، وشركة «كامبريدج أنالاتيكا» استخدمتها منذ سنة ونصف، مع السيناتور تيد كروز الذى كان أقل المرشحين شعبية، وقال بشكل واضح خلال القمة أن الاستهداف يعتمد على القياس النفسي اعتماداً على مقياس استبيان الخمسة الكبار. كما أكد نيكس أن الحملة استخدمت 175 ألف تنويعة إعلانية مختلفة فى يوم المناظرة الرئاسية الثالثة بين ترامب وكلينتون، لتخصيص كل تنويعة لفئة محددة من الجمهور اعتماداً على الاستهاف النفسى.
وبذلك ما تم إثارته الأسبوع الماضى فى القناة البريطانية الرابعة كان معلوم مسبقاً وتناقلته أكبر وسائل الاعلام منذ فوز ترامب، ولا علاقه له بتسريب معلومات أو اختراق أو بيع الفيسبوك لتلك البيانات، ولا أعلم لماذا كل هذه الضجة الآن!!!
على الجانب الآخر استغل الفيسبوك الحدث وبدأ فى تقليص صلاحيات المعلنين ومطوري التطبيقات فمثلاً Custom Audience والتىي كان يستخدمها المسوقين فى دراسة شريحة محدده من العملاء تم حجبها، أيضا سيتم حذف التطبيق الذى لا يستخدمه المستخدم أكثر من شهرين، مع تقليل صلاحيات تطبيقات وإمكانية وصولها إلى بيانات المستخدمين، وتلك ستكون كارثة للعديد من المشاريع القائمة على تطبيقات الفيسبوك.
وضح لنا جميعا أن الفيسبوك يعد أكبر قاعدة بيانات شخصية فى العالم تجمع كل صغيرة وكبير عنا، ومنها يمكن استنتاج كم هائل من المعلومات عن كل شخص فينا، وكل يوم يتوحش أكثر الفيسبوك ويبدأ فى الاستغناء عن شركاؤه من مطوري التطبيقات.
وفى النهاية لا مناص من وجود استراتيجه قوية تعزز وتعظم من قدرات التسويق الرقمى ومنها قدرات الفيسبوك المتاحة لنا واستخدامه فى النمو والتطوير فهى مذهلة وعظيمة، ويكون لتلك الاستراتيجية محور هام فى التوعية على الجانب المخيف لوحش المعلومات وكيف تستغل المعلومات ضد الأفراد والمجتمعات والدول فهذا الجانب مرعب ومخيف.