كنت قلقًا  للغاية من اجتماع اليوم الذى سنعرض فيه نتائج حملة التسويق لـ “بيوريجي” Purigy، وهو براند لكل ما يخص الجمال والصحة من خلال الرجوع للطبيعة، جزء كبير منه مخصص للجنس الناعم، وشركتنا هي المسئولة عن تطوير علامته التجارية وإدارتها، وكانت تلك هي المرة الأولى في الشركة التي نقسم فيها العملاء المحتملين للبراند شرائح على حسب السمات النفسية لهم، واجتماع اليوم هو أول اجتماع يحضره أصحاب القرار في شركة “بيوريجي” بعد إطلاق حملته التسويقية. خرجت من مكتبي وفي أثناء إعداد كوب من الشاى الأخضر، دخلت فريدة مديرة المشروع، وفريدة تجاوزت الأربعين ببضع سنين، وهي من الشخصيات المخلصة الملتزمة التي يُعتَمد عليها، تتمتع بالذكاء والمنطق وتعشق الأرقام، وهي من الفئة النادرة في مجال التسويق التي جمعت بين العمل الأكاديمى والممارسة العملية في مجال البراندينج.

-صباح الخير يا فريدة.

– صباح النور يا أستاذ أحمد.

– ايه أخبار الولاد؟

– قالت مبتسمة: اللى هنا ولا اللى في البيت؟

ففريدة بمثابة أم لجميع العاملين في الشركة، يثق بها ويلجأ إليها الجميع في الأمور والمشاكل الشخصية.

  • اللى في البيت أخبارهم ايه؟
  • كله تمام الحمد لله.
  • والولاد هنا أخبارهم ايه؟ و ايه أخبار التجهيز للاجتماع؟ طمنينى.
  • لا تمام، كله تمام الحمد لله.

أزعجني جدًا رد فريدة، فبرغم الكلمات التي نطقت بها فإن كلمات عينيها وجسدها يشيران إلى أن هناك أمرًا مهمًا.

وفي أثناء الحوار دخلت مي، ومي هي المسؤولة عن المحتوى الخاص بالبراند على شبكات التواصل الاجتماعي، وهبها الله موهبة الذكاء الاجتماعي، وعندها قدرة عالية لتتقمص شخصية أي براند؛ فتخلق تواصلاً ممتعًا مع شريحة العملاء المحتملة من خلال منشورات كلها إبداع على شبكات التواصل الاجتماعي، وبرغم هذا الذكاء الاجتماعي الواضح في عملها فإنها لا تستعمله مع زملائها، ناقمة على المجتمع، متمردة على اللوائح والقوانين، تحاول أن تظهر دائمًا أنها غير مهتمة، لم تأت في موعدها قط منذ بدأت العمل في الشركة، فهي تأتى وقت ما تريد وتذهب متى تشاء، ولكننا نتفهم ذلك، ويشفع لها إبداعها وأفكارها الثورية الجديدة.

منذ ثلاثة أشهر تمت خطوبة مي على زميلنا خالد، فخالد شخصية مرحة، رياضي، باش دائمًا مبتسم، صادق، يعشق الحرية، حديثه حلو ذو أسلوب مميز.

أصبح خالد ومي ثنائيًا رائعًا، لا يتوقفان عن الضحك وإطلاق النكات، والسخرية من الجميع حتى من أنفسهم، لم تكن مي بتلك السعادة والانطلاق قبل ارتباطها بخالد.

مرت مي وكأنها لا ترانا متجهة لعمل مشروب لها.

– مي: مش عارفة من غير نسكافيه ازاى ممكن نعيش.

– فريدة: ازيك يا حبيبتي.

– مي: جود مورننج مسز فريدة … جود مورننج مستر أحمد.

-أنا: صباح الخير يا مي، ايه أخبارك؟

-مي: تمام… تمام…

وهنا دخل خالد ليتحول له نظر الجميع، وكانت أول شخصية أمامه فريدة؛ فوجه لها كلامه:

– خالد: صباح الخيرات على فريدة الفريدات.

– فريدة: دى على وزن كده … جميلة الجميلات.

– خالد وهو ينظر إلى مي: لا… لا… لا… جميلة الجميلات إكسكلوسف … حصري لأميرة الأميرات.

مي: هو في زي جمال مسز فريدة وحلاوة قلبها.

– أنا: يا عينى على الشاعر العظيم.

– خالد: البرنس أحمد… عندي إحساس أن اجتماع النهارده حيكون هايل… هااايل… وإن في مكافأة خاصة… محترمة… لملهم شخصية البرند.

– مي موجهة كلامها إلى خالد: هو أنت عملت حاجة؟

-خالد: يا بنتى… كفاية فصلتم شخصية البراند زى شخصيتى… دى شخصية متربية على الغالى… برنس في ذات نفسه كده… وجنتلمان … حاجه تتحب من أول نظرة. هو أنت فاكرة الناس بتتفاعل مع بوستاتك ليه.

-مي مبتسمة لخالد: ده إيه الغرور ده. لا فعلا احنا ملناش لازمة.

قد كنا عند تطوير الهوية الخاصة بالعلامة التجارية لـ “بيوريجي” وإنشاء شخصية البراند لها- قمنا باستخدام شخصية خالد؛ فأخذنا من سماته الشخصية والعاطفية لبناء شخصية البراند؛ اعتمادًا على الأطر التي وضعتها (جنيفر آكر) عالمة علم التسويق وعلم النفس، وما طرأ عليها من تطوير من علماء بعد ذلك، حتى أن الشخصية الكرتونية التي تم تطويرها لتتحدث عن البراند كانت بصوت خالد وبها الكثير من ملامحه.

-أنا: إن شاء الله حيكون في مكافأة محترمة للجميع. أنتم كلكم عاملين شغل محترم. وإن شاء الله ربنا حيكرمنا…

ثم استطردت ضاحكًا: بس أنتم الاثنين واحد حتاخدوا مكافأة واحدة.

– خالد: جميل… وطبعًا حتنزل باسمي.

-مي: وليه باسمك؟!

– خالد: يا بنتى بهرج… إنها دعابة … اضحكي اضحكي.

وكالعادة وجود خالد ومي في أي تجمع يملؤه مرحًا وسعادة. ذهب كل من خالد ومي، وتبعتهما عين فريدة بنظرة مليئة بالأسف والحزن، وهنا تأكد ظني في وجود أمر يؤرق فريدة؛ فغلبني فضولي، وتساءلت: هل أبادر وأسأل فريدة ما الأمر الآن؟ أم أنتظر بعد الاجتماع؟ وهنا نظرت إليَّ فريدة وقالت:

– عاوزاك في موضوع مهم جدًا.

– حالاً ولا بعد الاجتماع؟

– لأ حالاً، لازم قبل الاجتماع؟

وبدون أن أنطق اتجهت إلى حجرتي، وأنا أشير لها بيدى أن تتفضل إلى الحجرة.

وما أن جلست حتى قالت:

– مش عارفة أقول إيه! الموضوع ممكن يبان إنه عبثي، وإنه كلام فاضي، بس أنا عارفة إنك حتفهمني كويس.

– خير يا فريدة، قلقتينى.

– أنت عارف إننا في البراندينج مش بنعتمد بس على إظهار مميزات وخصائص البراند، بل بنشتغل على عمل وتطوير تواصل عاطفي بين البراند والعملاء.

– طبعا يا فريدة فاهم ده كويس، ده شغلنا.

– عارفة طبعًا إنك فاهم، بس أنا عايزة أوضح الموضوع من الأول.

– اتفضلي.

– وأنت عارف إن فيه كتير من الدراسات الأكاديمية رصدت ظاهرة إن إحساس العملاء بالعلامة التجارية مشابه لإحساسهم بالشخصيات البشرية، مش بس كده، ده كل مسوقي العلامات التجارية الكبيرة بيستخدموا ده في رسائلهم التسويقية، علشان كده احنا في براند “بيوريجي” بنحاول نخلق مشاعر عاطفية بين البراند والعملاء علشان يكون في تجاذب بينهم، مش بس علشان المنافع والوظائف المادية اللي بيقدمها البراند، بل علشان يكون فيه توافق وتجاذب بين شخصية البراند وشخصية العميل.

– تمام، كلام مظبوط.

– احنا في بيوريجي واحنا بنطور شخصية البراند استخدمنا شخصية خالد.

– فعلاً.

– ولما جينا نقسم عملاء البراند ونحدد شخصيات المشترين المثاليين buyers persona، كان التقسيم معتمدًا على اللايف استايل والسمات النفسية، واستخدمنا شخصية مي كواحدة من العملاء المثاليين للبراند.

– ودى كانت خطوة ممتازة خلت فيه تفاعل ممتاز بين الجمهور والبراند، ويا ما ضحكنا على بوستات مي اللي بتعملها باسم البراند وكنا بنقول ده اللي عاوزه خالد يعمله معاها.

– بالضبط، فيه تجاذب قوى وواضح بين شخصية البراند يعنى خالد و بين الـ Buyer Persona اللي هي مي؛ وده خلى الحملة الحمد لله تنجح.

– عظيم… ايه هي بقى المشكلة؟

– طيب… كده واضح إن شخصية خالد وشخصية مي مثاليين لبعض.

– فعلاً.

– وده بالأرقام وبقياس التفاعل.

– تمام.

– المشكلة إن إحنا كنا عاملين أكتر من شخصية مثالية Buyer Persona لعملاء البراند، فكان فيه شخصية مثالية لعملاء البراند اللي هي مي وهي لسه سينجل، وشخصية مثالية لعملاء البراند اللي هي أيضًا مي بس وهي متزوجة.

– ده حقيقي بالإضافة إلى شخصيات تانية، بس أكترهم تجاذب هي شخصية مي.

– لأ… شخصية مي السينجل هي الأكثر تجاذب وتفاعل مع شخصية خالد، بس شخصية مي المتزوجة كان فيه تنافر شديد بينها وبين شخصية خالد؛ فكانت شخصية مي المتزوجة أسوأ شخصية من شخصيات المشترين المثاليين من ناحية التجاذب مع شخصية خالد، وده بالأرقام.

– أفهم من كلامك إن إحصائيًا العلاقة العاطفية بين مي السينجل وخالد ممتازة ورائعة، ولكن مي المتزوجة هي على العكس.

– بالضبط كده.

– وعاوزة تقولى إن ممكن يكون هناك شخصيات تانية هي الأنسب لخالد.

– بالضبط، بس المشكلة بالنسبة ليا هي مي، مجتمعنا لسه مش بيرحم البنت المطلقة.

– حيلك حيلك … واحدة واحدة، إيه مطلقه دى، هو الموضوع وصل خلاص للطلاق.

– مع الأسف ده اللي حيحصل بنسبة كبيرة.

– يا أستاذة فريدة ده ارتباط عن حب مش جواز صالونات.

– في 185 ألف حالة طلاق في البلد السنة اللى فاتت، تفتكر دول اتجوزوا جواز صالونات!!! بالعكس.

– أولاً ممكن خالد يتغير، وممكن مي تتغير، وممكن يكون فيه فتور، بس الموضوع مايوصلش للطلاق.

– أنا بقالى أسبوعين عماله أدرس بمنهجية الموضوع ده، درست أرقام الحملة لكل شريحة من العملاء وردود فعل كل شريحة من الجمهور، وعملت تحليل دقيق لكل فئة، ومتنساش إن أحد الشخصيات المثالية للبراند كانت مي المطلقة، فاتصاحبت واتكلمت مع كتير منهم، وفي كتير منهم كنت شايفة مي.

– والحل؟

– الحل إن مي وخالد يسيبوا بعض.

– مش ممكن، أنت بتقولي إيه !!! دول كابل couple ممتاز، دى كل الشركة وكل اللى حواليهم فرحانين بيهم، دول بيشعوا سعادة في أى تجمع بيكونوا فيه.

– أو إن مي تتغير أو خالد يتغير، وده صعب جدًا.

– أنت مستوعبة أنت بتطلبى ايه وليه!!!

في تلك الأثناء وصل أصحاب القرار من شركة “بيوريجي”، فاستقبلتهم وأنا شارد الذهن، كنت مندهشًا وفي حيرة… أنا مؤمن إيمانًا راسخًا بعلم الإحصاء، وعلم البراندينج، ولكن هل تصل سطوتهما ليحددا من يتزوج من؟؟

بدأ الاجتماع وقامت فريدة بعرض البريزنتيشن الذي عملنا عليه بروفة سابقًا، ولكن في تلك المرة كان وقعها عليَّ مختلفًا، فظهر على الشاشة صورة واسم لكل شريحة مثالية من عملاء البراند Buyer Persona وقد استخدمت اسم مي وصورتها للتعبير عن شريحة العملاء التي تعبر عنها مي، وبأسفل كل شريحة من العملاء وضعت رقمًا يعبر عن مدى التفاعل مع البراند، مع تحديد أكبر وأقل نسبة تفاعل باللون الأخضر واللون الأحمر، وعند الشرح استخدمت كلمة تجاذب وتنافر بدلاً من كلمة أكبر تفاعل وأقل تفاعل، وباحترافية شديدة ومن خلال التلاعب بالألفاظ أرسلت رسائل خفية لـمي وخالد اللذين كانا حاضرين في الاجتماع.

وصلت رسالة فريدة إلى خالد ومي، وقد رسمت الصدمة خطوطها على وجهيهما، وكان خالد جالسًا مكتوف اليدين؛ مما يدل على رفضه لما يقال، بعكس اهتمام مي وتركيزها الشديدين لكلمات فريدة.

وانتهى الاجتماع وقمت بتوصيل العملاء؛ لأعود إلى غرفة الاجتماع مرة أخرى فإذا بمي وخالد وفريدة في حوار ساخن جدًا، ترددت في الدخول فإذا بخالد يقول لي: لو سمحت يا أستاذ أحمد، ممكن حضرتك تدخل؛ محتاجينك جدًا في الحوار ده.

أنا: تحت أمرك.

خالد موجهًا كلامه إلى فريدة: مش معنى إن أنا بحب الهزار والألش والسخرية، وأنتم بترسموا شخصية البراند عليا، ثم تعملوا بوستات البراند اللى فيها ألش متعجبش فئة من العملاء بين قوسين… اللى هي شبه مي بعد الجواز والفئة دى يقولوا عليها استظراف أو سخافة، ويكون الفيدباك بتاعهم زى الزفت، يبقى أنا مش مناسب لمي.

مي وهي تنقل نظرها من خالد إلى فريدة: ده حقيقى؛ أولاً خالد حيتغير بعد الزواج وأسلوب كلامه أكيد حيتغير، ثانيًا أكيد مع الوقت والمسؤوليات الألش والسخرية حتقل.

فريدة وهي تنظر لمي: أنت عارفة يا مي كويس جدًا إن بوستات الألش دى كانت في المرحلة الأولى، واستمرت أسبوع بس، ومكملناش بالطريقة دى مع الفئة دى من العملاء، ثانيًا شخصية البراند كان فيها تفاصيل كتير، بدءًا من اللايف استايل إلى الصفات النفسية زى الطموح والغرور وضبط النفس والضمير ومدى التعاون ومساعدة الآخرين والقابلية للتعرض للضغوط النفسية والثّقة بالآخرين وحسن المعاملة، كل ده كنا استخدمناه علشان نخلق شخصية البراند، وكل ده ظهر واضح في بوستات البراند.

أنا: عاوز أفكركم يا شباب أن احنا اتناقشنا كتير في الأول، هل نخلى شخصية البراند محايدة مفيهاش تفاصيل نفسية، ولا تعبر عن نفسها في كل الأمور بشفافيه، وبالتالى الصفات النفسية للشخصية تكون ظاهره للجمهور، والنهاية أخدنا قرار إن بوستات ورسائل البراند تعبر عن الشخصية اللى رسمناها للبراند بسماتها النفسية، واتفقنا إن ده حيخلينا نفقد جزء من الجمهور، ولكن باقى الجمهور حيكون فيه بينه وبين البراند روابط صداقة ومشاعر قوية نقدر نبنى عليها براند قوى.

فريدة: لو تفتكروا يا خالد ويا مي إن احنا في الأول حتى عملنا تحليل نفسى لك يا خالد؛ علشان أنت شخصية محبوبة من الجميع، وآراءك وأفكارك تقريبًا عليها اجماع من معظم فئات الجمهور المستهدف، وده كان من الدراسات التسويقية اللى عملناها في الأول.

خالد: يعنى أنا فار تجارب، وفي النهاية عاوزين تقضوا عليا.

أنا: خالد… لو تفتكر أنا في الأول قعدت معاك وقلت لك إن اختبار الخمسة الكبار Big Five الخاص برسم البروفايل النفسي لك له مشاكل كتير ممكن تظهر، وأنت قلت لى بالنص أنا صافي كالمايه ومعنديش حاجه أحب أخبيها، وكل صفاتي بافتخر بيها، حتى عيوبي فخور بيها وبحبها.

خالد: ده صحيح، بس الموضوع يوصل إنه يتقال لى إن أنا في المستقبل بعد الجواز مش حكون مناسب لمي، لأ ده أنا مش قابله، أستاذة فريدة حضرتك حمامة السلام اللى الكل بيلجأ لها، وكل كابلcouple عنده مشكلة في الشركة بيلجأ لك وبتصلحى بينهم، وأنا ومي الحمد لله منسجمين جدًا مع بعض، تيجى تقولى لنا الكلام ده!!!

فريدة: طب ممكن تخلينى أوضح أكتر المشكلة والحل المقترح.

خالد: أستاذة فريدة حضرتك عارفة كويس قد ايه أنا بحترمك وبعزك، بس آسف أنت بتتدخلى في أمور شخصية خاصة بينا وأنا محبش حد…

مي مقاطعة خالد: ممكن يا خالد نسمع أكتر من فريدة ونفهم الموضوع.

خالد: نفهم إيه!! أنا مش مستوعب اللى إنت بتقوليه يا مي، أنا مش مقتنع بأى كلمه من كلام فريدة، واحنا لسه حنتكلم لو كنا مناسبين لبعض ولا لأ. قال ذلك خالد وقد بدأت نبرات صوته تكون حادة وعالية.

مي: خالد لو سمحت ده مش أسلوب حوار!!!

خالد: بالضبط كده أنا مش عاوز أى حوار في الموضوع ده؛ دى حياتنا وتخصنا، والمفروض احنا بس اللى نناقشها، ده لو في حاجة فيها نقاش أساسًا.

مي: وأنا برفض فرض رأيك بالأسلوب ده..

أنا مقاطعًا مي وخالد: ممكن نهدأ شويه يا شباب ونسمع وجهة نظر فريدة، أنتم عارفين كويس إن فريدة عاوزة لكم الخير.

خالد: الخير!!! الخير إن احنا نسيب بعض !!!

أنا موجهًا كلامي إلى فريدة: أنت قولتى لهم كل الكلام اللى قلتيه لى.

فريدة: أنا قلت لهم الكلام اللى قلته لك، بس خالد مش عطينى فرصة أكمل كلامي.

خالد ساخرًا: اتفضلي يا أستاذة، هو لسه في كلام تانى؟؟

فريدة: يعلم ربنا قد إيه أنا خايفة عليكم.

خالد: معنديش شك في كده، بس برده آسف يا جماعة أنتم عاوزين تحولوا المشاعر والحب إلى شوية أرقام.

مي: خالد واضح كده إنك مش فاهم حاجة، ده علم.

خالد ساخرا: سيبنا لك العلم.

مي وظهر على وجهها امتعاض شديد من خالد: ممكن كفاية، أنا شفت وش لك جديد عليه؛ وفعلا مش حقدر أستحملك أكتر من كده.

اكفهر وجه خالد وقال لفريدة: عجبك كده، كده تمام !!!!

أنا مخاطبًا خالد: ممكن يا خالد نتكلم شويه في الفراندا.

خرج معى خالد وتكلمت معه لأكثر من ساعة؛ كان هدفي أن الحوار يكون أكثر هدوءًا وحكمة؛ فقط لأن رغبة مي مخالفة لرغبته في سماع كلام فريدة، وفي أثناء حوارنا دخلت علينا مي وفريدة.

أنا: أحسن نتكلم هنا، الجو رائع.

قالت مي ضاحكة: واضح إن دى مؤامرة من مستر أحمد علشان مناخدش المكافأة.

أنا: والله أحلى مكافأة، ومحضر لكم رحلة حتحلفوا بيها لمدينة دهب.

مي: طب ممكن نسمع فريدة وباقى كلامها.

خالد: اتفضلي، أنا آسف والله بس الموضوع مش بالساهل، مش سهل إن حد ييجى يقول لى إن أجمل حاجة في حياتى مش مناسبة ليا.

قالها وقد اختنق صوته وامتلأت عينه بالدموع.

فريدة: طب ممكن تسمعونى للآخر.

خالد: تحت أمرك، اتفضلي.

فريدة: سيبوكم من كل اللى أنا قلته وأنا مش عاوزه أدخل في حياة حد، وأنت يا خالد عارف أنا عملت إيه علشان ترتبط بمي.

مي: ده صحيح.

ثم قالت ضاحكة: أنت السبب.

خالد بابتسامة خبيثة: ممتاز خلينا نسيب كل اللى قلتيه.

فريدة: أنا عاملة قائمة بالواجبات والمهام والمسؤوليات لبناء أسرة ناجحة، وقائمة بكل المشاكل التي أدت إلى الطلاق، واللى طلعت بيها من كلامي مع المطلقات من شريحة العملاء المشابهة لمي.

أنا محاولاً تخفيف الجو: كده إنت حولتي الجواز لمشروع يا فريدة.

مي: هو فعلاً مشروع.

خالد: والمطلوب إيه؟؟

فريدة: أنا اللى أتمناه إن كل واحد فيكم يبقى عارف هو داخل على ايه، ايه المسؤوليات اللى حيتحملها؟ ايه أنواع المشاكل اللى حتقابله؟ بلاش نقول مشاكل، خلينا نقول التحديات اللى حتقابلكم؟ واتكلموا مع بعض واتفقوا حياتكم حتمشى ازاى.

خالد: وأنا موافق على الكلام ده، ومش كده وبس لا ده أنا عاوزك تكونى معنا واحنا بناقش المواضيع دى يا أستاذة فريدة.

أنا: يا سلام !!! مش أنت اللى لسه كنت بتتكلم على الخصوصيه.

خالد: لا هنا الموضوع مختلف، أستاذة فريدة حتكون الحكم.

مي: وأنا موافقة على ده، وأحب إن فريدة مش تكون بس حكم، لأ كمان مينتور وناصح لينا.

فريدة:أشكركم على ثقتكم، وأتمنى إن ربنا يكتب لكم الخير.

لحظة صمت والكل مترقب لما ستقوله فريدة.

فريدة: عندى مواضيع كتير محتاجين نناقشها سوا، أولهم لما تتجوزوا إن شاء الله مين حيكون القائد؟ خلينا نقول بشكل آخر لو اختلفتم في موضوع مين اللى كلامه حيمشي؟

أنا ضاحكًا: كده الخطوبة باظت.

فريدة بجدية شديدة: مش أحسن ما تبوظ بعدين، حتى لو حيكون في اختلاف يبقوا عارفينه وعارفين حيتعاملوا معاه ازاى.

كنت أقصد بمقاطعتي أن أعطى فترة لخالد ومي للتفكير؛ فتلك أمور مصيرية ولا تحتاج تسرع في الرد.

خالد: الموضوع بالنسبة لى واضح ومفيش فيه فصال، أنا الراجل، مي دي في عيني وقلبي، وعمري ما حاعمل حاجة تزعلها، لكن في النهاية أنا صاحب القرار.

مي: ممكن أعرف ليه تكون أنت صاحب القرار؟ ليه مش أنا؟

خالد: إن شاء الله مفيش اختلاف حيحصل، وأنت شايفة كويس يا مي إنى تمللى باجى على نفسى علشان أرضيكى.

مي: أفهم من كلامك إن كل مرة كنت بتوافق على كلامي ده كان تنازل من سعادتك.

خالد: ودى حاجة تزعلك، إنى خايف على زعلك دى تزعلك!!!

مي: مش ده اللى بتكلم فيه، ليه شايف أساسًا إن كلامك هو اللي المفروض يمشى؟ ليه مش أنا؟!!!

خالد: علشان أنا الراجل.

مي: يا سلام !!! كونك راجل ده اللى يخليك بتفهم، وقرارك يكون سليم، وأنا أقول سمعًا وطاعة يا سى السيد.

خالد محاولاً ضبط نفسه: اللي بقوله إن حيكون بينا تفاهم وأنا مش حزعلك، بس لو وصلنا لطريق مسدود لازم حد يكون له الرأى الأخير،احنا اتنين حنجيب حكم أجنبى يعني؟؟

فريدة: خلينا نتفق إن القرار يبقى مشاركة لغاية ما توصلوا لاتفاق، ولو وصلتوا لطريق سد ممكن يكون فيه مواضيع أو مسائل كل واحد فيكم له الرأى الأخير فيها.

لحظة صمت من مي وخالد وقد غطت قسمات وجهيهما بالتجهم وعدم رضاهما عما تقول فريدة.

أنا: أسيبكم أنا؛ واضح إن الموضوع كبير، وأنا اتجوزت في زمن تانى غير زمنكم، بالتوفيق إن شاء الله.

بعد حوالى أربع ساعات دخل خالد ومي وفريدة الحجرة عندي وعلى وجههم ابتسامة.

فقلت: الحمد لله، الدنيا واضح إنها تمام.

خالد: الحمد لله يا ريس، كله تمام.

وقال ضاحكًا: مش أنا سبت مي، لا هي اللي سابتني، لأ لأ فريدة هي اللي فصلتنا، بص مش مهم، المهم أنا مبسوط.

برغم السخرية والضحكة اللى على وجهه، أشعر بمرارة في كلامه.

مي: احنا اتكلمنا كتير وناقشنا أمور كتيرة، والغريبة اننا اول مرة نناقش الأمور دى بالرغم إن دى حياتنا ومستقبلنا، وكان في اختلاف كبير في قناعتنا وحتى معتقداتنا، احنا اتكلمنا بعقلانية، وكان السؤال اللى تملى بتسأله لينا فريدة في كل نقطة خلاف مين على استعداد يغير من نفسه في النقطة دى؛ لأن كل واحد شايف إن هو الصح، والأمور المفروض تمشي كده، فوصلنا إن فيه أمور مستحيل إن حد فينا يغير من نفسه؛ لأنه شايف إن رأيه هو الصح، أنا مش عارفة أشكر حضرتك وفريدة إزاى.

خالد بمرارة: ولا أنا والله.

أنا: يقينًا يا شباب محدش يعرف الخير فين.

كان الصمت يخيم على الجميع، وبالرغم من الابتسامة التي يحاول خالد وضعها على وجهه كان شارد الذهن من الصدمة، بعكس مي التي نظرت إلى الموضوع بعقل شديد. خرج الجميع من مكتبى لينتهي يوم عمل حافل لن أنساه ولن ينساه عالم التسويق الرقمي.

كان يومًا شاقًا جدًا؛ وعندما وضعت رأسي على المخدة لم أستطع النوم، هل أحداث اليوم حلم أم حقيقة؟ قمت من نومي لأراجع نتائج الحملات، ولكن تلك المرة قمت بتحليل المحتوى والرسائل التي تحويها، فـ”مي” معروفة باحترافيتها وبذكائها الاجتماعى وبقدرتها على صياغة رسائل تناسب كل شريحة من العملاء، فهل كان هناك قصد في بعض المنشورات الموجهة أن تكون أقل جذبًا، بل منفرة بالذات لتلك الفئة من العملاء المشابهة لشخصية مي المتزوجة؟ هل معرفة مي لسمات خالد النفسية جعلتها تتراجع عن الارتباط بخالد؟ هل تلاعبت مي بفريدة وبي وبخالد؟ هل من الممكن أن يكون عقل مي الباطن هو من صنع كل هذا؟ لم أستطع الوصول إلى الحقيقة.

وفي النهاية انفصل خالد ومي وهما سعيدان، والكل يتمنى لكل منهما بناء أسرة ناجحة مع شريك جديد.

وأصبحت فريدة وأدواتها الرقمية الأم التي لا يجرؤ أحد على الارتباط إلا بعد أخذ مباركتها من العالم الرقمي.