كانت أول بداية لي مع العمل في أولى سنوات الدراسة بكلية الهندسة، وعلى مدار 24 عاماً من العمل، أصبحت على يقين بوجود الفسدة والمفسدين في كل مكان دخلت فيه وذلك بدرجات متفاوتة ومتدرجة من اللون الرمادي الفاتح إلى الأسود القاتم.
أود أن أشارك معكم ملاحظاتي على سيكولوجية الفساد، والذي تبدأ أولي مراحله بحالة عدم الرضى، والرضي كالضوء الأبيض به أطياف الألوان السبعة، فمن عنده عدم رضى بموارده المالية أو الرضى العاطفي أو… أو …. وكلما نقص طيف من أطياف الرضى ازدادت قتامة اللون الأسود في النفس.
ثم ندخل في المرحلة الثانية وهي مرحلة الاستعداد النفسي للفساد، حيث يقوم المفسدون بالتشجيع على الفساد، من خلال الإقناع أن كل الناس تفعل ذلك فلماذا لا تفعل مثلهم؟ وتتزامن تلك المرحلة مع مرحلة تشويه كل من لا يزال في المنطقة البيضاء بإشاعات يتم تداولها سراً.
فعندما تجد نفسك ترى الفساد حولك، لابد أن تسأل نفسك: هل أنا فعلاً أريد لهذا الفساد أن ينتهي؟ أم هل أنا مستمتع ومستفيد به؟ وعندما أرى فاسد – من وجهه نظري – هل هو فاسد أم أن هذا إسقاط نفسي حتى لا تسبح وحدك في بحر الفساد؟
وتتوج تلك المرحلة بالتصديق الشديد للنفس والاقتناع الكامل بالأكاذيب التي أطلقها المفسدون.
ثم تأتي المرحلة الهامة التي يعاني منها العالم الثالث وهي (سستمة) الفساد، بحيث يكون للفساد نظام متعارف عليه وقانوني ولا يتنافى مع اللوائح والقوانين، وكلما ازداد المفسد نفوذاً ازدادت قوة العرف واللوائح والقوانين المنظمة للفساد.
نعم يا سادة قوانين ولوائح منظمة للفساد، بدءاً من العملات الذهبية لعظماء القادة مروراً بأولوية التعيين بالبيت القضائي الشامخ والمثال الأشهر لذلك عندما يتم تجنيد مواطن مصري في الجيش المصري العظيم وعلى قدر قوة الواسطة يتم التضبيط، جعلنا الله وإياكم من المتظبطين
وينزلق بنا منحدر الفساد إلى الموظف الفسلة ليضع اللوائح الصورية لتحقيق المآرب الشخصية لعزبة السيد الوالد
أعلم أنك تسمع الآن في أذنك صوت الراحل أحمد زكي في فيلم ضد الحكومة “يا عزيزي كلنا فاسدون، لا أستثني أحد”
لا يا سادة لسنا جميعاً فاسدون، إنها المرحلة التالية لعدم الرضا للسقوط بعدها في بحر الفساد، أعاننا الله وإياكم.
فلنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فلنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب