كنت أتابع باهتمام بالغ قضية خاشقجى على معظم القنوات الإخبارية العالمية، حتى أني أحياناً أسهر حتى الصباح لأتابع رد فعل جهة معينة على خبر أو تصريح، وبعيداً عن أى أبعاد أو توازنات سياسية، تلك القضية سيكون لها تاثير على أخلاقنا وأفعالنا.

فلأوضح الأمر بمواقف تعرضت لها بعد ثورة يناير، وكنت فى ذلك الوقت مدير إدارة توكيد الجودة،  وكان جزء من مسؤليتنا أنا وفريق العمل الاستماع وتحليل مشاكل واقتراحات ورغبات المتدربين باهتمام، وكانت تناقش وتلاقى اهتمام على أعلى مستوى، وبالرغم من هذا الاهتمام القوي بأراء ومقترحات المتدربين لن أنسى أول مرة أستمع للمتدربين  بعد ثورة يناير، فكانوا يتكلمون بوضوح لا مواربة، يفصحون ولا يخفون، أحرار يطالبون، لا عبيد يرجون.

الموقف الثانى والذي كان يصيبنى بإستياء شديد، عندما كنت أقف أمام مصعد مؤسسة حكومية، على سبيل المثال أجد أحد الأشخاص البسطأ ممن هم في سن آبائي، يحاول تقديمي عليهم فى الوصول للمصعد، قائلاً لى:  “اتفضل يا باشا”، لا لشئ إلا أنى ألبس بدلة وكرافتة، وتغير ذلك الموقف وتحول إلى النقيض بعد ثورة يناير.

فى هذين الموقفين، الحاكم لسلوك الأفراد هوالمناخ العام للدولة، وليس النظام المحلي الفعلي، فكان ما يشعر ويحس  به الناس هو القوة التخيلية التي لا توجد إلا فى أذهانهم المستسقاة من تصرفات القوى المهيمنة على البلاد.

أرى أنه يوجد صنفان من البشر، الصنف الأول الذي له قيم ومبادئ تربى عليها تتسق مع دينه، ترسخت فى كيانه ويحاول جاهداً ان تنعكس على أفعاله وسلوكه.

الصنف الثانى الذي يتأثر بمن هم أعلى منه مرتبة سواء إدارية أو إجتماعية أو تنظيمية، أو أياً ما كانت تلك المرتبة، فترى ذلك يكذب بملئ فيه، ومن أمامه يعلم أنه يكذب، وهو يعلم أن من يكذب عليه يعلم أنه كاذب، ويتبع كذبه بضحكة بلهاء سعيداً منتشياً أنه أنجز كذبه، ذلك لأنه يتعامل مع الكذب كأداة من أدوات الإدارة -وعلوم الإدارة منه براء-  وذلك لأنه وجد مديره يفعل ذلك، ففعل حتى بدون عناء اتقان الكذب.

وذلك بعشرات الأوجه يلبس وجهاً تلو الآخر، يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ، بدون بذل أى مجهود لإخفاء النفاق،  وكأن النفاق مهارة من مهارات التعامل مع البشر- وفنون الاتصال والتواصل بين البشر ترقى عن ذلك – اقتدى بمن هم أعلى منه مرتبة، ففعل ومع الأسف حتى دون مواربة.

 

سعيد بفضح قتلة خاشجقي، وكنت آمل فى عقابهم حتى ولو لم ينال المحرض على القتل العقاب، حتى يترسخ فى الذهن العام أنه لا شفاعة لعبد المأمور، أن النجاة فى اتباع الحق، لا أهواء ورغبات الساده، إن عبد المأمور رخيص لا قيمه له سيباع بأرخص الأسعار متبوع بلعنات المظلومين.

عندما يكون المناخ العام تحكمه سياسة القوة ولى الأذرع، ويغطي وجه العفن وتغلب المصالح بدون واعز من ضمير ولا مرجعية لأخلاق، نجد ذلك جلياً فى أفعال وتصرفات الصنف الثاني من البشر الذي تكون أخلاقه مرآة لأخلاق المناخ العام.

ونجد المبررين و المدافعين عن العفن يدافعون ويبررون بكل قوة وبكل الحجج الواهية عن أفعال سادتهم، حتى وإن تم وسمهم  بأقذر الألفاظ، فهم فى الحقيقة يدافعون عن أخلاقهم القذرة، فأخلاقهم هى صوة من تجليات أخلاق السادة.

أنا والكثير كنا نتابع قضية خاشقجى، داعين الرحمن أن تتجلى الأخلاق فى تصرفات المجتمع الدولي، كنت أدعوا الواحد الحق لذلك حتى وإن كان خلف الصورة اتفاقيات خفية أو مصالح، المهم بالنسبة لى أن يتم الإعلاء من القيم والمبادئ ويكون لها الغلبه، أن يتصدر المشهد القيم والأخلاق ويكون ما دونه واضح أنه نجس قذر، يتم مستتر فى الظلام.

كنت أدعوا وأتمنى ذلك، حتى لا يكون المناخ العالمي هو سياسة لى الأذرع والبلطجة، أن لا يكون الدستور والمرجعية هو قانون الغابة، لينتشر من السادة إلى العبيد، آسف بل من العبيد إلى العبيد وإن علو فى المرتبة، فالكل عبد لمن هو فى مرتبة أعلى،  فيكون لا أمان ولا ملجأ لأحد، ستنتصر اليوم وتخسر غداً أمام بلطجي جديد فى عالم تحكمه قوانين العطن، و ليخسرالصنف الثاني من البشر دنيا ودين.